فصل: تفسير الآيات (100- 103):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (82- 86):

{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
{واسأل القرية التي كنَّا فيها} أَيْ: أهل مصر {والعير التي أقبلنا فيها} يريد: أهل الرُّفقة، فلمَّا رجعوا إلى أبيهم يعقوب عليه السَّلام قالوا له هذا، فقال: {بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً} زيَّنته لكم حتى أخرجتم بنيامين من عندي رجاء منفعة، فعاد من ذلك شرٌّ وضررٌ.
{وتولى عنهم} أعرض عن بنيه، وتجدَّد وَجْدُه بيوسف {وقال يا أسفى على يوسف} يا طول حزني عليه {وابيضت عيناه} انقلبت إلى حال البياض، فلم يبصر بهما {من الحزن} من البكاء {فهو كظيم} مغمومٌ مكروبٌ لا يُظهر حزنه بجزعٍ أو شكوى.
{قالوا تالله تفتأ} لا تزال {تذكر يوسف} لا تَفْتُر من ذكره {حتى تكون حرضاً} فاسداً دنفاً {أو تكون من الهالكين} الميِّتين. والمعنى: لا تزال تذكره بالحزن والبكاء عليه حتى تصير بذلك إلى مرض لا تنتفع بنفسك معه، أو تموت بغمِّه، فلمَّا أغلظوا له في القول.
{قال إنما أشكو بثِّي} ما بي من البثِّ، وهو الهمُّ الذي تفضي به إلى صاحبك {وحزني إلى الله} لا إليكم {وأعلم من الله ما لا تعلمون} وهو أنَّه علم أنَّ يوسف حيٌّ، أخبره بذلك مَلَكُ الموت، وقال له: اطلبه من هاهنا، وأشار له إلى ناحية مصر.

.تفسير الآيات (87- 89):

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}
{يا بنيَّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف} تَبَحَّثوا عنه {ولا تَيْأَسُوا من روح الله} من الفرج الذي يأتي به {إنه لا يَيْأَسُ من روح الله إلاَّ القوم الكافرون} يريد: إنَّ المؤمن يرجو الله تعالى في الشدائد، والكافر ليس كذلك، فخرجوا إلى مصر.
{فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسَّنا وأهلنا الضر} أصابنا ومَنْ يختصُّ بنا الجوع {وجئنا ببضاعة مزجاة} ندافع بها الأيام ونتقوَّت، وليست ممَّا يتشبَّع به، وكانت دراهم زيوفاً {فأوف لنا الكيل} سألوه مساهلتهم في النَّقد، وإعطاءَهم بدراهمهم مثل ما يعطي بغيرها من الجياد {وتصدَّق علينا} بما بين القيمتين {إن الله يجزي} يتولَّى جزاء {المتصدقين} فلمَّا قالوا هذا أدركته الرِّقَّة ودمعت عيناه، وقال توبيخاً لهم وتعظيماً لما فعلوا: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه} بإدخال الغمِّ عليه بإفراده من يوسف {إذ أنتم جاهلون} آثمون بيعقوب أبيكم، وقطع رحم أخيكم جهلاً منكم، ولمَّا قال لهم هذه المقالة رفع الحجاب.

.تفسير الآيات (90- 96):

{قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)}
{أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف} الذي فعلتم به ما فعلتم {وهذا أخي} المظلوم من جهتكم {قد منَّ الله علينا} بالجمع بيننا بعد ما فرَّقتم {إنه مَن يتق} الله {ويصبر} على المصائب {فإنَّ الله لا يضيع أَجْرَ المحسنين} أجر مَنْ كان هذا حاله.
{قالوا تالله لقد آثرك الله علينا} فضَّلك الله علينا بالعقل والعلم، والفضل والحسن {وإنْ كنا لخاطئين} آثمين في أمرك.
{قال لا تثريب عليكم اليوم} لا تأنيب ولا تعيير عليكم بعد هذا اليوم، ثمَّ جعلهم في حلِّ، وسأل لهم المغفرة فقال: {يغفر الله لكم...} الآية، ثمَّ سألهم عن أبيه فقالوا: ذهبت عيناه، فقال: {اذهبوا بقميصي هذا} وكان قد نزل به جبريل عليه السَّلام على إبراهيم عليه السَّلام لمَّا أُلقي في النَّار، وكان فيه ريح الجنَّة لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلاَّ صحَّ، فذلك قوله: {فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً} يرجعْ ويَعُدْ بصيراً.
{ولما فصلت العير} خرجت من مصر مُتوجِّهةً إلى كنعان {قال أبوهم} لمن حضره: {إني لأجد ريح يوسف} وذلك أنَّه هاجت الرِّيح فحملت ريح القميص واتَّصلت بيعقوب، فوجد ريح الجنَّة، فعلم أنَّه ليس في الدُّنيا من ريح الجنَّة إلاَّ ما كان من ذلك القميص {لولا أن تفندون} تُسفِّهوني وتُجهِّلوني.
{قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} شقائك القديم ممَّا تكابد من الأحزان على يوسف وخطئك في النِّزاع إليه على بعد عهده منك، وكان عندهم أنَّه قد مات، وقوله: {فارتدَّ بصيراً} أَيْ: عاد ورجع بصيراً.

.تفسير الآيات (98- 99):

{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99)}
{سوف أستغفر لكم ربي} أخَّر ذلك إلى السَّحَر؛ ليكون أقرب إلى الإجابة، وكان قد بعث يوسف عليه السًّلام مع البشير إلى يعقوب عليه السَّلام عُدَّة المسير إليه، فتهيَّأ يعقوب وخرج مع أهله إليه، فذلك قوله: {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه} أَيْ: ضمَّ إليه {أبويه} أباه وخالته، وكانت أمُّه قد ماتت، {وقال ادخلوا مصر} وذلك أنَّه كان قد استقبلهم، فقال لهم قبل دخول مصر: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله، وكانوا قبل ذلك يخافون دخول مصر إلاَّ بجوازٍ من ملوكهم.

.تفسير الآيات (100- 103):

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)}
{ورفع أبويه على العرش} أجلسهما على السَّرير {وخرُّوا له سجداً} سجدوا ليوسف سجدة التَّحيَّة وهو الانحناء. {وقد أحسن بي} إليَّ {إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو} وهو البسيط من الأرض، وكان يعقوب وولده بأرض كنعان أهل مواشٍ وبريَّة {من بعد أن نزغ الشيطان} أفسد {بيني وبين إخوتي} بالحسد {إنَّ ربي لطيف لما يشاء} عالم بدقائق الأمور {إنَّه هو العليم} بخلقه {الحكيم} فيهم بما شاء، ثمَّ دعا ربَّه وشكره فقال: {رب قد آتيتني من الملك} ملك مصر {وعلمتني من تأويل الأحاديث} يريد: تفسير الأحلام {فاطر السموات والأرض} خالقهما ابتداءً {توفني مسلماً} اقبضني على الإِسلام {وألحقني بالصالحين} من آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السَّلام. يريد: ارفعني إلى درجاتهم.
{ذلك} الذي قصصنا عليك من أمر يوسف من الأخبار التي كانت غائبة عنك، وهو قوله {من أنباءِ الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم} لدى إخوة يوسف {إذ أجمعوا أمرهم} عزموا على أمرهم {وهم يمكرون} بيوسف.
{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجو أن تؤمن به قريش واليهود لمَّا سألوه عن قصَّة يوسف، فشرحها لهم فخالفوا ظنَّه، فقال الله: {وما أكثر الناس ولو حرصت} على إيمانهم {بمؤمنين} لأنَّك لا تهدي مَنْ أحببت، لكنَّ الله يهدي مَنْ يشاء.

.تفسير الآيات (104- 107):

{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)}
{وما تسألهم عليه} على القرآن {من أجرٍ} مالٍ يعطونك {إن هو} ما هو {إلاَّ ذكر للعالمين} تذكرةٌ لهم بما هو صلاحهم. يريد: إنَّا أزحنا العلَّة في التَّكذيب حيث بعثناك مُبلِّغاً بلا أجرٍ، غير أنَّه لا يؤمن إلاَّ مَن شاء الله سبحانه وإنْ حرص النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك.
{وكأين} وكم {من آية} دلالةٍ تدلُّ على التَّوحيد {في السموات والأرض} من الشَّمس والقمر والنُّجوم والجبال وغيرها {يمرُّون عليها} يتجاوزونها غير مُتفكِّرين ولا معتبرين، فقال المشركون: فإنَّا نؤمن بالله الذي خلق هذه الأشياء، فقال: {وما يؤمن أكثرهم بالله} في إقراره بأنَّ الله خلقه، وخلق السَّموات والأرض إلاَّ وهو مشركٌ بعبادة الوثن.
{أفأمنوا} يعني: المشركين {أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} عقوبة تغشاهم وتنبسط عليهم.
{قل} لهم {هذه} الطَّريقة التي أنا عليها {سبيلي} سنَّتي ومنهاجي {أدعوا إلى الله} وتمَّ الكلام، ثمَّ قال: {على بصيرة أنا} أَيْ: على دينٍ ويقينٍ {ومن اتبعني} يعني: أصحابه، وكانوا على أحسن طريقة {وسبحان الله} أَيْ: وقل: سبحان الله تنزيهاً لله تعالى عمَّا أشركوا {وما أنا من المشركين} الذين اتَّخذوا مع الله ندَّاً.

.تفسير الآيات (109- 111):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
{وما أرسلنا من قبلك إلاَّ رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى} يريد: لم نبعث قبلك نبيَّاً إلاَّ رجالاً غير امرأةٍ، وكانوا من أهل الأمصار، ولم نبعث نبيَّاً من باديةٍ، وهذا ردٌّ لإِنكارهم نبوَّته. يريد: إنَّ الرُّسل من قبلك كانوا على مثل حالك، ومَنْ قبلهم من الأمم كانوا على مثل حالهم، فأهلكناهم، فذلك قوله: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا} إلى مصارع الأمم المُكذِّبة فيعتبروا بهم {ولدار الآخرة} يعني: الجنَّة {خير للذين اتقوا} الشِّرك في الدُّنيا {أفلا تعقلون} هذا حتى تُؤمنوا؟! {حتى إذا استيأس الرسل} يئسوا من قومهم أن يؤمنوا {وظنوا أنهم قد كذبوا}.
أيقنوا أنَّ قومهم قد كذَّبوهم {جاءهم نصرنا فنجِّي مَنْ نشاء} وهم المؤمنون أتباع الأنبياء {ولا يردُّ بأسنا} عذابنا.
{لقد كان في قصصهم} يعني: إخوة يوسف {عبرة} فكرةٌ وتدبُّرٌ {لأولي الألباب} وذلك أنَّ مَنْ قدر على إعزاز يوسف، وتمليكه مصر بعد ما كان عبداً لبعض أهلها قادرٌ على أن يعزَّ محمداً عليه السَّلام وينصره {ما كان} القرآن {حديثاً يفترى} يتقولَّه بشر {ولكن تصديق الذي بين يديه} ولكن كان تصديق ما قبله من الكتب {وتفصيل كل شيء} يحتاج إليه من أمور الدِّين {وهدىً} وبياناً {ورحمةً لقوم يؤمنون} يصدِّقون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

.سورة الرعد:

.تفسير الآيات (1- 4):

{المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}
{المر} أنا الله أعلم وأرى {تلك} يعني: ما ذُكر من الأحكام والأخبار قبل هذه الآية {آيات الكتاب} القرآن {والذي أُنزل إليك من ربك الحق} ليس كما يقوله المشركون أنك تأتي به من قبل نفسك باطلاً {ولكنَّ أكثر الناس} يعني: أهل مكة {لا يؤمنون}.
{اللَّهُ الذي رفع السموات بغير عمدٍ} جمع عماد، وهي الأساطين {ترونها} أنتم كذلك مرفوعة بغير عمادٍ {ثمَّ استوى على العرش} بالاستيلاء والاقتدار، وأصله: استواء التَّدبير، كما أنَّ أصل القيام الانتصاب، ثمَّ يقال: قام بالتَّدبير، و{ثُمَّ} يدلُّ على حدوث العرش المستولى عليه لا على حدوث الاستيلاء بعد خلق العرش المستولى عليه {وسخر الشمس والقمر} ذلَّلهما لما يُراد منهما {كلٌّ يجري لأجلٍ مسمَّىً} إلى وقتٍ معلومٍ، وهو فناء الدُّنيا {يُدبِّر الأمر} يُصرِّفه بحكمته {يُفصِّل الآيات} يبيِّن الدلائل التي تدلُّ على التَّوحيد والبعث {لعلَّكم بلقاء ربِّكم توقنون} لكي تُوقنوا يا أهل مكَّة بالبعث.
{وهو الذي مدَّ الأرض} بسطها ووسًّعها {وجعل فيها رواسي} أوتدها بالجبال {وأنهاراً ومن كلِّ الثمرات جعل فيها زوجين اثنين} حلواً وحامضاً، وباقي الآية مضى تفسيره.
{وفي الأرض قطعٌ متجاورات} قُرىً بعضُها قريبٌ من بعضٍ {وجنات} بساتين {من أعناب} وقوله: {صنوان} وهو أن يكون الأصل واحداً، ثمَّ يتفرَّع فيصير نخيلاً يحملن، وأصلهنَّ واحد {وغير صنوان} وهي المتفرِّقة واحدةً واحدةً {تسقى} هذه القطع والجنَّات والنَّخيل {بماء واحدٍ ونُفضِّل بعضها على بعض} يعني: اختلاف الطُّعوم {في الأكل} وهو الثَّمر فمن حلوٍ وحامضٍ، وجيِّدٍ ورديءٍ {إنَّ في ذلك لآيات} لدلالاتٍ {لقوم يعقلون} أهل الإِيمان الذين عقلوا عن الله تعالى.